حصري... نفحات من تاريخ الدولة الموريتانية و كواليس نشأتها في مقابلة مع رجل الأعمال اعزيزي ولد المامي...

أحد, 09/13/2020 - 23:14

السبيل نواكشوط... اعزيزي ولد المامي : شخصية وطنية غنية عن التعريف عاصر ميلاد الدولة الموريتانية و أبرز الأحداث التي مرت بها و كان له اسهام شخصي في صياغة تفاصيل بعضها، رجل أعمال مستقيم لم ينغمس في السياسة إلاّ بالقدر الذي يمليه الواجب على مواطن ملتزم و فاعل اجتماعي و اقتصادي.

يحكي اعزيزي ولد المامي في هذه المقابلة ذكرياته عن دولة الاستقلال بطريقة تدفعك للجزم بأنه مؤرخ سرقه عالم الأعمال، حدثنا اعزيزي حديثاً شيقا عن الذكرى الأولى و أول حكومة و أول ميزانية و عن علاقاته بالجيل المؤسس، تلك العلاقة التي رفض التنكر لها مما عرضه لمضايقات أضرت كثيرا بمركزه المالي.

تشعر و أنت تتحدث مع الرجل أنك أمام إنسان من نوع خاص أصبح اليوم نادراً جدا، ذلك الصنف من البشر الذي يقدر العلاقات الإنسانية حق قدرها لا يمنعه ظلم من ظلمه من ذكر ما يعرفه فيه من خصال، و عقيدته في الحياة أن الإنسان سيحتاج إلى إجابات لكل ما قام به إما حيا أو ميتاً.

"السبيل" : السيد اعزيزي، نود منكم أن تحدثونا عن ارهاصات قيام الدولة الموريتانية التي عاصرتموها و عن نشأة مدينة نواكشوط.

اعزيزي ولد المامي : الحديث في هذا الباب يطول و لكني سأحاول الاختصار، أنا ولله الحمد أعيش في نواكشوط منذ عام 1957م و شهدت أغلب الأحداث التي وقعت هنا حتى اليوم _ لله الحمد _.

نواكشوط إبان الاستقلال لم تكن تقطنه 100 عائلة و قد ذكرت ذلك بصفة دقيقة في كتابي "من تاريخ الأنظمة في موريتانيا" و يومها لم يكن أحد يتصور أن موريتانيا يمكن أن تستقل للأسباب التي ذكرت.

و حقيقة و حكماً فإن الفضل في حصول موريتانيا على الاستقلال يرجع لرجلين هما سيدي المختار ولد يحي انجاي و المختار ولد داداه و هنا أتذكر أول حكومة حيث وفق المختار ولد داداه في اختيار نخبة من الرجال مستوياتها بحسب الشهادة _ أنذاك _ عادية و لكن ثمرة ما قامت به يفوق ما يمكن أن يقدمه أهل الشهادات و كما يقول المثل الحساني "يحلبوا أكثر من ما ينعتوا".

أتذكر من الأسماء التي دخلت تلك الحكومة أحمد ولد محمد صالح، صال عبد العزيز ، محمذن ولد باباه على سبيل المثال لا الحصر و أتذكر أن أول ميزانية بعد الاستقلال كانت مليار من الفرنك الإفريقي.

أعلن الاستقلال تحت خيام منها خيمة سوداء كبيرة لأهل الشيخ سيديا، و خيمتان للمرحومة ناصره الله بنت انغيميش، و خيام أخرى بجانب سقيفة كانت مقر البرلمان لفترة.

كانت الوفود القادمة أكثرية من حضروا الاستقلال كان الجميع ينتظر منتصف الليل، و عندما حان الموعد وقف سيدي المختار ولد يحي انجاي بصفته رئيسا للبرلمان و ألقى كلمة مقتضبة و أعطى الكلام للرئيس المختار ولد داداه الذي ألقى خطابا حماسيا تحدث فيه عن التخلص من الاستعمار و بناء الوطن.

و ظل البلد بامكاناته المحدودة يتقدم حتى قيام حرب الصحراء التي أعادته إلى الوراء، إذ أن الحرب ليست في صالح أيا كان لا غالباً و لا مغلوبا، لقد فقدت موريتانيا في هذه الحرب رجالاً كان لهم حاضر و مستقبل أذكر منهم على سبيل المثال المرحوم اسويدات ولد وداد الذي كان ضابطاً مثالا في الإخلاص و الإقدام، و استمر الوضع كذلك إلى أن توقفت الحرب.

و لا يمكنني سرد كل ما حدث في هذه الفترة، إلاّ أنه خلال الثلاثين سنة الأخيرة حصل الكثير من التقدم الاقتصادي و حصلت البلاد على الكثير من التمويلات لا يمكنني القول أنها سددت بشكل رشيد لأن الفساد _ كما تعلم منتشر في كل بلد _.

"السبيل" : و نحن نتحدث عن نشأة الدولة الموريتانية هل تذكر بعض رجال الأعمال ممن ساهموا في بناء الاقتصاد الوطني في تلك الفترة ؟

اعزيزي ولد المامي : في تلك الفترة لم يكن رجال الأعمال كثر، و الموجود منهم يتاجر بشكل تقليدي بالمواد الغذائية و جلب المواشي من الشمال إلى الجنوب و السنغال و غير ذلك.

و أتذكر من هؤلاء البشير ولد بزيد رحمه الله، و امربيه ولد عابدين و يحي ولد بوعماتو هم أول من أسس شركة حين طلب منهم الرئيس المختار ولد داداه تأسيس مركز تجاري، و كانت الشركة تجارية و تعمل في مجال البناء و هي التي تولت بناء المسجد الموجود بين لكصر و العاصمة "المسجد العتيق" بكلفة 40 مليون فرنك غرب افريقي، و أذكر أن الرئيس ماكس البشير و امربيه و طالبهم مازحا بأن لا ينسو الوطن فرد عليه امربيه مازحا أيضاً بأنهم يريدون الربح و عليه هو أن ينظر مصلحة الوطن.

و للحقيقة فإن المختار و رجاله بذلوا في تلك الفترة جهداً كبيراً لبناء الوطن و أثبتوا وطنيتهم و عدم بحثهم عن المنافع الخاصة، و على كل حال فرجال الأعمال في تلك الفترة كانوا قليلين، هنالك الأشخاص الذين ذكرت و هناك كذلك عبد الله ولد انويگظ و الخليل ولد عبد الله، و اشريف ولد عبد الله و سعدبوه ولد امصبوع و محمد عبد الله ولد العتيق "لكبيد" و المتكلم.

أتذكر أنه في تلك الفترة لم يكن أحد يتصور أن موريتانيا ستستقل...! و إذا استقلت فلم يكن يتصور أحد أن تكون عاصمتها نواكشوط، و أتذكر أن الفيدرالي محمد ولد خيار و حاكم نواكشوط كانا يحاولان إقناع الناس _ بعد صدور مخطط جديد _ بالسكن في أطراف العاصمة، و كان كل من يريد قطعة أرض تمنح له دون أن يدفع أوقية واحدة في الأماكن التي أصبحت الآن بمئات الملايين.

إذا موريتانيا برزت من العدم إلى الوجود و الفضل في ذلك يعود إلى سيدي المختار ولد يحي انجاي و المختار ولد داداه و المجموعة التي عملت معهما بصدق و أمانة كأحمد ولد محمد صالح، و صال عبد العزيز و أحمد ولد سيدي باب على سبيل المثال لا الحصر.

"السبيل" : ذكرتم في كتابكم "من تاريخ الأنظمة في موريتانيا" مضايقات تعرضتم لها شخصياً خلال فترة معينة، ما هي أسباب هذه المضايقات و خلفياتها ؟

اعزيزي ولد المامي : أنا كنت رجل أعمال من ضمن المجموعة التي ذكرت لكم و نلت ثقة الحكومة حتى وصلت لدرجة السماح لي ببيع السلاح، حتى بدأت حرب الصحراء التي جاءت و الدولة الموريتانية لا تملك عتادا لها، و كل ما تملكه بنادق قديمة من 3436 احتاجت الدولة لي فقدمت لها ما أملك من أسلحة.

المضايقات التي تعرضت لها في تلك الفترة تعود إلى أنني عندما حدث انقلاب 10 يوليو كان هناك أصدقاء لي من ذلك العهد لا يمكنني أن أتنكر لهم فاستمرت صلتي بمن كانت تربطني بهم علاقات صداقة، و كانت بيننا زيارات منزلية، بعد الإنقلاب لم تنقطع صلتي بهم بما في ذلك المرحوم المختار ولد داداه و محمد ولد جدو و غيرهم من أصدقائي الذين كانوا في المنفى كنت أسافر إلى السنغال حتى أسمع أصواتهم و ألقاهم لقاءا إنسانياً و خاصاً.

إذا عند الإطاحة بهذا النظام ألصقت تهم بعدد من الناس كنت من أوائلهم و استدعيت و كنت أرأس في ذلك الوقت شركة كادت تغلق أبوابها بفعل المضايقات، و أذكر أنه وردت علي رسالتان إحداهما من مدير البنك يطالبني فيها بتسديد ديون تبلغ 57 مليون في ظرف 72 ساعة و أكد لي مدير البنك بالدلائل أن الأمر جاء من طرف الدولة ممثلة في الرئيس و محافظ البنك المركزي و أن القرار يشملني و إثنين آخرين و تقضي الأوامر أن نسدد أو تصادر ممتلكاتنا، لم أقف مكتوف اليدين بعت الكثير من ممتلكاتي بالمزاد و من التجارة التي استوردتها من الخارج حتى تمكنت من دفع هذه المبالغ.

و أخضعت بعد ذلك للمتابعة الفردية، و أقول ان كل الظلم شيء لا يمكن تحمله.

إذا ذهبت تلك الفترة و اطلق سراح من كنت متابعاً بسببهم و لله الحمد و رفعت عني المتابعة.

في ذلك الوقت بدأت التفكير في الكتابة و قد كنت شخصياً أسجل رؤوس أقلام عن الأحداث التي عايشتها و لكنني لم آخذ قراراً بتدوينها إلا بعد الظلم الذي تعرضت له، فالتاريخ يحفظ ذلك كله.

"السبيل" : الناس يعرفون جيداً رجل الأعمال اعزيزي ولد المامي و يسمعون عن مجموعة مؤسساته، ما هي هذه المؤسسات بالضبط ؟ و ما هي أنشطتها ؟

اعزيزي ولد المامي : المؤسسات أساساً هي مكتب دراسات للأشغال العامة يرأسه محمد عبد الله ولد اعزيزي و مؤسسة للشحن و تشارك في المقاولات العالمية يرأسها أحمد باب ولد اعزيزي بالإضافة للممثليات.

و في ما يتعلق بالدولة فلم يشاركا في ما كان يتخبط فيه الناس في الأعوام الأخيرة و لم يسجل التاريخ أي محاولة لهما للحصول على صفقة مشبوهة من الدولة و رجائي أن يظلا على ذلك.

"السبيل" : بالنظر إلى الوضعية الخاصة التي يعيش البلد و نحن جميعا معنيون به، خاصة أنتم الذين لديكم مكانة في هذا المجتمع و لديكم كذلك تجربة و إمكانيات تساهم في دعم الاقتصاد الوطني، هل من كلمة توجيهية للشعب الموريتاني ؟

اعزيزي ولد المامي : ليس لدي ما أقوله سوى توجيهات عامة فموريتانيا تتطلب منا الإخلاص في الأقوال و الأفعال فحب الوطن من الإيمان، أدعو الجميع للوحدة و أرجو أن يكون الإخلاص طابع الجولات التي تدور في السياسة و غيرها و أدعو إلى التحلي بحسن النية و نبذ التباغض فإن كل إنسان سيحتاج أجوبة عن كل ما كان يقوم به إما حيا أو ميتاً...

 

أجرى الحوار المدير العام أحمد سالم ولد التباخ...