مُؤْتَمَرُ الوزير الأول.. الوَجْبَة المُعَلَّبَة.. زَخْرَفَة لوَاقع مُؤلِم و وعود على شَاكِلَة السين و سوف..

أحد, 06/14/2020 - 02:41

السبيل نواكشوط... غالباً ما تشهد البلدان منحنى تصاعدي في أغلب المجالات مع مرور الزمن بحيث يلاحظ تقدم و لو كان طفيفاً في معاملة الأنظمة المتتالية لمختلف فئات المجتمع إلاّ أن الوضع لطالما كان مختلفاً في موريتانيا فكلما إنقضت فترة نظام فاسد جاء عوضا عنه آخر أشد فساداً ليبقى الشعب يبكي على أطلال ما مضى و يندب حظه التعيس على ما هو قادم...

بعد أن ظن الجميع أن عهد المحسوبية و الزبونية قد ولى إلى غير رجعة مع إنقشاع ضباب العشرية و تلاشي ظلماتها التي ألقت بظلالها على شعب "المساكين"، لم تلبث الحكومة الجديدة تحت قيادة الوزير الأول إسماعيل ولد الشيخ سيديا طويلاً لتذكر من أصابه الخرف أن القادم أسوأ بكثير مما مضى فقديما أيام رئيس الفقراء لفظا و معنا عم الفساد و كثرت عمليات النهب و أصبحت صفقات التراضي نهجاً لا يقبل المساس و بالرغم من كل هذا تركت فسحة ضئيلة للتنفس تحت عنوان حرية الصحافة و الإعلام الخاص، فسحة أبى ولد الشيخ سيديا إلاّ أن يسدها ليرجع بموريتانيا إلى العصور الوسطى و عهد تكميم الأفواه الذي عفا عليه الزمن و خلفته الأمم وراء ظهورها غير نادمة...

الوزير الأول أعلن قبل أيام عن خرجة إعلامية للتطرق إلى نقاط هامة حول الظرفية الحرجة التي تمر بها البلاد جراء التسارع المخيف لوتيرة تفشي فيروس "كورونا"، خرجة شهدت إقصاءَ ممنهجا و شاملاً من لدن ولد الشيخ سيديا لوسائل الإعلام الحرة بحيث تم إحتكارها عمداً لصالح وسائل الإعلام الحكومية في مشهد أصاب المؤتمر قبل الإعلام في مقتل لتعفف الأغلبية عن مشاهدته لا لشيء سوى إنعدام المصداقية لمؤتمر من طرف واحد يمتاز بطابع إستفزازي فالأسئلة يتم إختيار الصالح و الطالح منها و تجهيز أجوبتها قبل البداية حتّى و بالرغم من ذلك فشل صاحب الأسئلة "المملة" و المجيب عليها في إقناع متابعيه بكلامه المبني على أساس الوعود إذ لم يضف أي جديد يذكر فلا الطواقم الطبية التي تشكل درعاً متيناَ بين المجتمع و الجائحة شهدت إرتفاعاََ في الواتب و لا أصحاب المشاريع الخاصة أو الأعمال اليدوية تم تعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها جراء الإجراءات الإحترازية و تداعيات الأزمة ليبقى السؤال المحير أي فائدة ترجى من هذا المؤتمر ؟ 

في بداية اللقاء ظهر ولد الشيخ سيديا مرتديا كمامة في مشهد قياسي دام لدقيقة واحدة قبل أن يفسح له مخرج القناة المجال لنزعها ضاربا بعرض الحائط كافة التعليمات الوقائية التي اتخذتها حكومته، بعدها بقليل أقتدى الطرف الآخر بما رآه من وزيره الأول فأنزل الإعلاميون كماماتهم بحيث أصبحت تغطي الفم و اللحية عوضاً عن الأنف و حين دقت ساعة الأسئلة ظهرت المهازل تترى و تم تطبيق خطة "التيكي تاكا" المستخدمة في كرة القدم بحذافيرها بحيث أصبح الميكروفون الوحيد "مكبر الصوت" كرة يمررها كل إعلامي لزميله في ظل غياب القفازات عن مؤتمر قيل أنه خصص لوباء سريع الإنتشار...

المؤتمر تم تزينه برموز النظام السابق بحيث حضره محمد الأمين ولد الداده مفوض حقوق الإنسان سابقا و الذي أمضى محكومية في السجن بتهمة الفساد إضافة إلى وزير المالية السابق تيام جمبار في ظل إقصاء متعمد لبقية أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة بمكافحة الجائحة فلو كان للمؤتمر محل من المصداقية كما يدعي صاحبه لحضر وزير الصحة ليجيب على الأسئلة المتعلقة بمجاله فأهل مكة أدرى بشعابها و لكان وزير التجارة حاضراً لتوضيح الإجراءات المتخذة في سبيل محاربة المضاربات في الأسعار و التي تثقل كواهل المواطنين، و غيرهما من أعضاء اللجنة لكن هيهات ثم هيهات فالمؤتمر إنما أريد به تلميع صورة الوزير الأول أمام الرأي العام في تلميح على أنه هو الحكومة و الآمر الناهي في تصرف زاد الطين بلة و طعن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني و نظامه في الظهر و أشعل عليهم فتيل النقمة الشعبية...

حديث ولد الشيخ سيديا حمل مغالطات لا تعد و لا تحصى يصعب ذكرها في مجلد أحرى في مقالة أبرزها حينما تحدث عن الوضعية المزرية التي كانت تعيشها وزارة الصحة و كأن حكومته قامت بإنجازات جديدة في هذا القطاع و هو ما يتناقض مع الواقع فالمنشآت الصحية لم تشهد أية إصلاحات تذكر فلا زالت كما هي منذ عهد النظام السابق بإستثناء منشأة للأمراض المعدية تبرعت بها الصين و لا ينبغي أن تضاف إلى خانة إنجازات الوزير الأول الخاوية أصلاً...

المغالطة الأخرى تجسدت في كلام ولد الشيخ سيديا عن حقبة ما بعد كورونا و أحلام "الإكتفاء الذاتي" التي صرح عنها في ظل الفساد السائد في قطاعي الصيد و المعادن و صفقات التراضي التي تمنح يومياً دون نسيان مهازل الغول الصيني "بولي هوندونغ" و الغزو العثماني للمياه الموريتانية "سانرايز" و مغرفة المعادن التي لا تبقي و لا تذر "تازيازت" في ظل سكرات الموت التي تعاني منها "اسنيم" و مسلسل التسريح الجماعي برعاية MCM، فأي إكتفاء ذاتي هذا ؟

المضحك المبكي في المؤتمر هو الحديث عن خطة لموسم الخريف في ظل العجز الذي تعاني منه الحكومة في الوقت الحالي في تطبيق حرفي للمثل الشعبي القائل "اللي قلبتو الدني گال لاخرة جات"..

نكات الوزير الأول لم تتوقف عند هذا الحد بل بلغ به الأمر حتىّ كشف عن هيئة رقابة حكومية تتابع مسار أموال صندوق مكافحة "كورونا" و كل المشاريع الغير موجودة أصلاً و وعود على شاكلة السين و سوف، تبقى التساؤلات الموجهة لصاحب هذه النكتة، كيف تتغاضى هذه الهيئة عن صفقة "بطاقات الذاكرة" التي أبرمتها وزارة الشؤون الإسلامية بقيمة 38 مليون ؟ و أنى لها السكوت عن صرف 40.000 أوقية قديمة على إيجار سيارة لتوصيل مبلغ 22.500 أوقية قديمة لأسرة بأكملها ؟ ألم تذكركم بأن المواطن أغلى من الجماد ؟ ألم تتسائل هذه الهيئة عن المصير الجهول لـ6 مليارت أختفت من الصندوق قبل فتحه حتى ؟ فأي رقابة هذه ؟

من الواضح للجميع حكومة و شعباً بإستثناء الوزير الأول إسماعيل ولد الشيخ سيديا أن هذا المؤتمر ما هو إلاّ وسيلة للحد من الأصوات المطالبة بإستقالته في ظل العجز الحكومي الذي أزالت عنه الجائحة الستار لكن إنقلب السحر على الساحر فعوضا عن تهدئة النفوس بالأدلة و البراهين إزدادت حدة ردود الأفعال الغاضبة من ولد الشيخ سيديا و طريقته المعتمدة على اللعب على الذقون و زخرفة الواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب لسنوات عديدة قبل الجائحة حتّى في مؤتمر مدته ساعة و نصف..

خاص بموقع "السبيل"...